الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012



- العقيد الهمام وابنه زيف الأحلام -
 - قصة قصيرة
- نقوس المهدي


كان العقيد في منتهى إنهاكه البدني حين قرر الدخول الى غرفة الحمام بعد جولة ميدانية أمطر خلالها أعداءه بوابل من القذائف والبارود والقنابل والشتائم، كانت الغرفة واحدة من إثني عشر حماما، لا يزيد طولها وعرضها ولا ينقص عن عشرة أمتار، علقت على بابها حدوة حصان جلبا لليمن ودرءا للعين، تمدد في الحوض المرمري الفسيح، فتح الصنبور فسال منه خيط رفيع من الدم القاني، أحس باللزوجة فوق جسده، واستسلم لسخونة السائل، الحقيقة أن دفء الحوض ورفاهية الغرفة منحا العقيد شعورا باللذة والإسترخاء والكسل والأمان والطمأنينة، فساورته الهواجس وشرع في رسم مخططات جهنمية عن كيفية التخلص من شعب فطن لأسرار اللعبة، ولم تعد تنطلي على أفراده الحيل والدسائس، ولا تجدي معهم فنون الخداع، وبدأت الوساوس والشكوك والملل يتسرب إلى دواخلهم ويتمكن من نفوسهم، فلم يعودوا يطاوعونه، حتى أنه فكر في لحظة طيش بأن يبيدهم باكملهم، وراهن على سبعة ايام وثمانية ليال بإشراقاتها وغروبها، بحرها وبرودتها، بلياليها ونهاراتها، بجوعها وعطشها، لاستبدالهم بمواطنين آخرين مغايرين لهم تماما في اللون واللغة والدين، يستوردهم من أقاصي أدغال افريقيا، أكثر وداعة وطاعة، وأكثر جلدا على الإهانة والأذى والحرمان، وأكثر تعقلا وتحملا للجوع والتعب والمصائب، وأكثر صبرا على الإضطهاد والإذلال، شعب جديد أقل غضبا وإلحاحا، طيع مسالم وديع كالدجاج، وقادر على استساغة نظرياته الشيطانية من دون رد فعل ولا رد كلام.

راقته الفكرة فبدا يدندن بمقطع أغنية ريفية أفلحت الجدران الأربعة وكثافة البخار بتفخيم نبراتها وترديد صداها، وأسلمته لأحضان غفوة لم يوقظه منها سوى حلما رأى فيه نفسه يمشي قي صحراء واسعة مترامية الأطراف، تتململ كثبانها في نحو تجاذبي تود ابتلاعه، وثعابين صفراء وزواحف تحاول الدخول من شق ثغره، شعر بالإختناق، كان الدم يبقبق على مستوى أنفه، ويسيل من حافة الحوض على أرضية الحمام، وفمه المتهدل النصف مفتوح ممتلئ بقطع من الدم المتختر، وفلول الضياء تتقهقر أمام غبش الغروب الوشيك ..

أحس باختلاج في جفن عينه اليسرى، وأدرك أنه لم يكن في حلم، بل في يقين تام، لحظة حاسمة لا يطيق العقيد تحملها، فحاول يائسا طرد أطيافها بكل التحفظ بأحلام أخرى مخملية ووردية، وخلق أحداث جديدة أكثر أشراقا وزهوا، تكون أجدى ملاءمة لحالته النفسية المخزية، لكنه ظل عاجزا عن لملمة شتات أفكاره، وحاول التخلى عن إصراره العنيد دون جدوى، هو الذي لم تجرؤ قط ذبابة على أن تحط فوق أرنبة أنفه، ولم تسلم دون أن تنال جزاءها ..

كانت رؤى المفازات والثعابين والخفافيش والعظايا والحيوانات الكاسرة هي الأشياء التي تراود أحلام لياليه الموحشة على الدوام، بقايا من ذكرياته الآبقة من سنين الجذب والحرمان حين كان يفترش خشونة الحلفاء في أعماق الصحاري القاحلة الموجعة، حيث رأى النور لأول مرة من أم نحيفة محدودبة الظهر على مشارف سن اليأس، وأب قليل الكلام كان يشغل راعي إبل لدى إحدى أفخاد قبيلة زناتة البربرية. وأمر بإحضار كافة مفسري الأحلام والعرافين والمنجمين وكتاب التعاويذ والحواة على وجه السرعة كي يفتونه في أمره، بما يسعفهم به كتاب " تفسير الاحلام " لإبن سيرين، ومن كتب "الرحمة في الطب والحكمة" و" بدائع الزهور في وقائع الدهور"، وبما يستطيعون إسعافه به من أشربة وعقاقير يحشون بها جوفه، وتمائم وطلاسم ورقيات تهدئ من روعه وتجبر خاطره .

في الخيمة، ولأنه كان دائم الظهور بمنظر المتقشف في عيشه، تحامل على عجزه وغضبه وتوثره وشروده، وتظاهر بالجد والحزم كي يبدو متماسكا أمام ناظريه، استعرض تشكيلة من الكواعب الطريات اللحم كالزبد، وصيفات، وحاجبات، وحارسات، ومدربات، ونديمات، وممرضات، وراقصات، ومقلمات اظافر، ومدلكات، وكاتبات خطب ورسائل وتواريخ، وقارئات كف، وحكواتيات، ومدونات مذكراته وسيرته الذاتية جئن لعرض خدمات وخطب وكراريس وجذاذات أفنين أبصارهن في نسخ ومحو تفاصيلها المملة، لم يكن يعنيه في الدنيا سوى التفاخر وجمع المال والثروة، ولم يكن قد راى في صباه نسوة قط، ولا سهر الليالي تحت نافذة حبيبة مستحيلة، كانت حياته خالية من كل ملذات الدنيا، وكل الأشياء مثل باقي الأشياء، لايختار منها إلا ما يعينه على إعلاء صورته في عيون الرعية، وما تسبغه عليه المدائح من أوهام فاسدة كافية لشد أزر مجده الآفل والآهل للسقوط ..

امر كاتبة خطبه بأن تعد له خطبة وطنية لا تتجاوز مدتها أربعين ثانية، أربعين ثانية كافية لكبح جماح شعب غاضب، يعيد قراءتها كما وضعتها في أذنه، كان عندها في عامه الواحد والأربعين من حكمه المطلق، وفي السنة السبعين من عمره حين أرغمته ظروف هزيمته وغضب الشعب على التنقل متنكرا بين العشائر والقبائل والمداشر ممتطيا ناقته العشارية، معتمرا قلنسوة من تروس السلاحف، ومتلحفا ب" جرد " بني أشد مقاومة للأوساخ، مشغول بوبر عشرين جملا. مسترجعا حلمه المرعب، ومتبوعا بتجريدة من نساء المايا الخلاسيات، لا أسماء محددة لهن، يكتفي فقط بمناداتهن بعيشة، وعويشة، وعيوشة تيمنا بابنته الوحيدة التي اردتها رصاصة طائشة حين كان يقنص الوحيش في أعماق الصحراء.

لم يكن أكثر جرأة ليقترب من غضب المتظاهرين الذين رابطوا حول خيمته، وتجرأوا على مخالفته، والذين كان يتوعدهم دوما بالحاق شتى العقوبات الجزرية بهم، ولا يتورع على دفنهم أحياء، أو بحلق رؤوسهم في الوقت المناسب بشظايا الزجاج، لتطهير البلاد من الجرذان شبر شبر... بيت بيت... دار دار... زنكَه زنكَه... فرد فرد.... "

كان العقيد يهاب دوما الموت بالسم أو بطعنة خنجر، ويشعر بأن الكل يتجسسون عليه، ويحاولون استغفاله، ولم تزده السنون التي أمضاها مهووسا بجمع المال والنساء إلا شكوكا في أقرب المقربين إليه، ومزيدا من الكرب والعناد والصلابة والغرور أكثر مما منحته من الفطنة واللباقة وطول الصبر ورباطة الجأش. لهذا ظل يتوقع خطرا محدقا من غزاة وهميين قادمين من بعيد، وعلى وشك الإقتراب من مضارب عشيرته، ويخيل إليه أن ظلال فلولهم تتماج على كثبان الرمال المتحركة، وتتناهى إلى مسامعه وثبات خفوفهم، وصليل سيوفهم وصنجاتهم كالهمس، أيقن أن قتاله لافائدة من ورائه، وأن مقاتليه الذين كانوا يكافحون بتفان عن فك عزلته سيتخلون عنه لامحالة، وأن حتفه أصبح وشيكا، وجثته ستدوسها سنابك الخيل، وتلغ فيها الضباع والعقبان، وليس هناك من حصان طروادة كي يختبئ في جوفه.

في الهزيع الأول من الليل شوهد العقيد وهو يتسلل من تحت الستار الخلفي للخيمة، مهرولا عاضا على طرف برنسه باسنانه المدببة، وقد خيل لمن رآه انه كان في حالة ارتباك قصوى، كمن أدركته الحاجة، هدم جميع تحصيناته، وساق بهائمه، وهام على وجهه متوغلا في أعماق بيداء لا قرار لها، تصده قبيلة، وتطرده أخرى، وتطارده قبائل، وتعوي في أذنيه ذئاب البراري الجائعة، كان على دلتا النهر العظيم حين أطبقوا الطوق عليه، أحس بأن كل المنافذ والسبل قد سدت في وجهه، وأنه ساقط لامحالة، سحب المسدس أمام دهشة واستغراب الجميع، داس على الزناد، وسمع دوي في الجهات القصية للكون، قبل أن تسكن الإطلاقة داخل تجويف الصدغ الأيمن ..


 

الاثنين، 1 أكتوبر 2012


أعض على أناملي ثملا بالفجيعة 
- أقصوصة - نقوس المهدي


ما من أحد صدق في مبتدأ الملام.
فلم يعد ثمة من شيء مستغربا في هذا البلد
من سنين وهم يقفون في طوابير الخديعة، مسندين هاماتهم على مشانق أحلام لا تقاوم ولا تلين. يوشوشون بكلمات قليلة وخافتة تكفي بالكاد لتدفئة أمانيهم. ويبسمون حين تغزوهم سهوا مسراتهم العتيقة.
وعلى مبعدة صيحة يقف جنود مزنرين بالزراية، متحفزين مشمرين جذلين لدرس عظامهم الهشة.
وأقف أنا بإزاء عتبة البحر مبللا بزرقته الفادحة.
أنصت لهدير الامواج وهي تتلولب تتشقلب تتقافز تغيب وترمح كأفراس جامحة مدفوعة بريح .
فيما العواصف تثير زوبعة على أخرى .
أمّا "اليقين فلا يقين"*
و ما من أحد يصدق في منتهى الكلام وسوء الختام...

------------------
* مطلع بيت ابي العلاء المعري الذي يقول فيه
أما اليقين فـلا يقين وإنما = أقصى اجتهادي أن أظن وأحدسا

الاثنين، 24 سبتمبر 2012

نقوس المهدي

-  من هموم امرىء القيس الدائرية


1ــ كيف انحدر امرؤ القيس من عاشق إلى مطارد..
   حين زارني امرؤ القيس كان الوقت مساء... الشمس بدأت تلملم أشعتها لتمارس هجرتها اليومية، فبدت شعلة نارية أدركتها النهاية ، شرعت تخمد .. تخبو.. تضمحل.. ترحل.. تتلاشى.. تسافر.. كلنا مسافرون بهذه الدنيا ..راحلون .. نواجه المسافات.. الزمن والوطن .. تسافر في المسافات و الزمن والوطن.. أبدا مسافرون يا نفسي .. وأنت يا امرؤ القيس تستكين بأحضان الرقاد تسافر بمفردك بفجوة الانهيار، يمحوك الزمن وينبذك الوطن.. الزمن توقعه نبضات القلب وجلجلة ضحكات عنيزة والرباب.. والوطن تمحوه اللذة موج البحر الليل والرحيل..
حين زارني امرؤ القيس ذاك المساء البعيد، كانت الإذاعة تبث أخبار الانقلاب العسكري الذي أطاح بعرش والده الملك حجرالكندي، المذيع يقرأ البلاغات ، الموسيقى العسكرية الصاخبة تصدح، إذاعات أخرى متفرقة تبث أغاني عاطفية ، وأخبارا متنوعة عن ارتفاع أثمان استهلاكية، واختفاء مواد غذائية أساسية من الأسواق، وارتفاع أسعار النفط والفضة والذهب ، وانهيار قيمة الدولار والأسهم والسندات ، وعن اضرابات ومظاهرات طلابية ..وثورات الفلاحين..واضطرابات واختلافات عقائدية ودينية في آسيا وأوربا.. وانقلابات عشوائية في إفريقيا، وتغيير بعض الدول لرؤسائها بسهولة وبدون بروتوكولات تماما كما يغير الثعبان جلده...
المذيع يقرا، ويردد، ويتفنن في القراءة، ومع كل قراءة يضغط على مخارج الحروف، وبين كل قراءة وقراءة تنبعث الموسيقى العسكرية ، وأنت يا امرؤ القيس بن حجر الكندي تغط في نومك ، لا احد يعكر صمت المكان سوى شخيرك المرتفع الذي يجفل الإبل في مرابدها ، وبندول ساعة الحائط الثابت الذي يشير إلى الزمن ولا يعده..


2 ــ كيف أصبح امرؤ القيس شاعرا ضليلا..

حين علم امرؤ القيس الخبر قال ببرودة أعصاب بالغة: اليوم خمر وغدا أمر.. والحكاية أنني قلت له : قم أيها الشاعر لقد هدك الزمن، وغدر بك القدر، سيفك الظمآن يود الخروج من غمده ومخبئه، جرده من الحرمان والكبت الدموي ، ادخله ذاكرة المجد ،اترك قلبك الحجري يتخثر بين سعف النخيل ، يعلن التمرد على أصنام العشق وهوى الخليلات، فرك عيونه الحمراء وقال ببرودة مستعينا بهزة من كتفيه : اليوم خمر وغدا امر ..فأضحى بطريقة آلية شاعرا ضليلا ..
المذيع يتابع القراءة.. المارشات العسكرية تتواصل بصخب.. الموسيقى دفق حماس، والتغيير حماس.. والحماس نار متأججة تغلي على إثرها الدماء الجارية بشبكة العروق.. وامرؤ القيس حين قال اليوم خمر وغدا أمر..خرج من ذاكرة الوطن غبر صتبور النسيان .. حوصر .. تهاوى .. تلولب ..وحضرموت دخلت ناصية الجراح..


3ــ كيف أصبح امرؤ القيس شاعرا ذا قروح.

أحضرت لامرىء القيس عدته.. زوادة بها خبز وماء وتين مجفف وبصل .. أتعرفون فوائد البصل.. لعله بطريقته السحرية في ادماع العيون، يبيد ما تراكم على القلب من هم وغم، يريح الأفئدة، يشحنها ويشفيها... كنت ساعتها قد استلمت راتبي الأسبوعي الهزيل، دفعت أكثره سدادا لديون الكراء والبقال والكهرباء والماء، كنت استيقظ كل صباح ، أغادر البيت لأعود إليه عند المساء ، لا احد يعرف مهنتي لأني لا اعرفها بدوري، فهي غالبا لا تستقر على حال ، سوى أني اعرف ويعرف الجميع أنني أشقى من اجل صاحب الكراء والبقال والماء والكهرباء وشركة التبغ ، لكن الحل ليس بيدي ، واعرف حق المعرفة أن أكثر الذين يدخنون الكيف أو يحتسون النبيذ الرديء أو أشياء أخرى لا يفعلون ذلك الشيء من اجل المتعة أو من اجل رغبة أو محبة فيها، لكن من اجل النسيان وتفتيت غيضهم وغضبهم ، إنهم يشفطون الدخان بأسى عميق .. ينفثون الأدخنة ورغم ذلك يضحكون ، يدخنون لكن يبتسمون لإخفاء إحباطهم ، يبتسمون رغم أن الطوق يضيق حول رقابهم ، يضيق ويضيق بحدة حتى تخرج الحدقات من محاجرها ، وفي نفس الوقت يبصقون على مؤخرة هذه الدنيا القحبة العجفاء المتجعدة التي يواقعها نزلاء الخيريات الذين تنكروا لآبائهم وأهلهم ..وتناسوا أيامهم الكالحة..جوعهم وعريهم... كلسوناتهم المثقوبة من الخلف من كثرة الضراط ، وجزماتهم التي ضاقت عن أخمص أقدامهم ، ووجبات العدس التي باتوا يتوجسون يوما أن يتبرزوا من جرائها كتلا من الحديد...
ولأني اعرف جد المعرفة كل هذا وذاك فانا موجود ..
ولأني اضمحل وأفنى بين الطريق والكاري والبقال واللقمة وشفطة السيجارة ، فأنا موجود..
أنا لا اعمل إذن أنا موجود..
أنا لا ارزق ولا اربح، واحترق وادفع كل محصولي الشهري لدى استلامه إذن أنا لست موجودا..
أنا لست موجودا.. لأني أموت في هذه الدنيا بالتقسيط ، مع أنني ارغب في قرارة نفسي أن تكون لدي ثروة أرسطو أوناسيس..
دفعت لامريء القيس بعض ما تبقى لدي من مال، ودعني وانصرف بعد أن ذرف دموعا غزيرة كالنساء لتذكره ملكا ضاع والكأس والمدام ودغدغة المعك والدعك ورجع مع نفسه..
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
خمنت بان سقط اللوى وحومل من اكبر الحواضر العربية ، يعمها الخير والأمان والسلام بعكس مدننا المحنطة بالظلم والفاقة والجوع والحرمان والتعفن .. طأطأ رأسه ، وتابع طريقه ناقلا خطواته اليائسة بين البقع المفعمة بالقاذورات.. والتي نام عنها المسئولون، ونفسه تفيض بشتى الأمنيات التي لم يستطع تحقيقها بينما يدرك صراحة في قرارة نفسه انه يصعد نحو الهاوية..
كان الأطفال يلعبون بالكرة في الحارة....
كان الأطفال يلعبون في الحارة بالكرة.....
بالكرة كان الأطفال يلعبون في الحارة.....
في الحارة بالكرة كان الأطفال يلعبون......
الاطفال بالكرة كانوا يلعبون في الحارة...
في الحارة كان الأطفال يلعبون في بالكرة...
بالكرة في الحارة كان الأطفال يلعبون.....
....................................................
.....................................................


4 ــ استنطاق

ــ لماذا تسافر يا امرؤ القيس وأنت صاحب معلقة ؟
ــ لأنشر معلقتي على أسوار روما، أغازل نساءها وأتعلم لغة عشق جديدة..
ــ ولماذا كتبت معلقتك إذن..؟
ــ لأفوز بالجائزة الأولى لأحسن قصيدة طللية..


5ــ ذكر ما غبر من أخبار امريء القيس بن حجر..

قالت العرافة بعد أن نثرت الأقداح حولها:
عشت كل حياتك يا ولدي في لهو متواصل، بدرت أموالك، كرست شعرك لوصف الخيل والليل والنساء، ستسافر يا ولدي ستصادف متاعب وأهوالا، ستعبر جبالا ووديانا، ستلاقي وحوشا كاسرة وثعالب وذئابا بشرية، وأعداء يوزعون الخبث .. ويزرعون الطرق بالأشواك والقتاد، الخيول تكبو، الرياح تعصف.. والأصدقاء يكيدون لك كيدا، والشمس تغرق في بحور الغمام ، وارض تضحك وارض تعبس ، وارض تلفظك ، وارض تبلعك ،وارض ترفعك وارض تبسطك ، وارض ترفعك، وارض تطويك ، ويجيء جوع، ويجيء عطش ،ويجيء نصب، ويجيء ضياع، ويجيء تعب ، ويجيء ظنك ، ويجيء احتيال ، ويجيء حرمان وحنين وضياع، تدمى قدماك وتتدمل رجلاك ، والخيبة تتبسم من بين سجوف الظلام ، والسراب يتراقص فوق الرمال، يفزك ، يغيظك ... سوف وسوف...وتعرف بعدها بأن الحياة صارمة جدا جدا يا ولدي...
وقال الراوي:
أن أمريء القيس لما ود صاحبه أن برجع على أعقابه قال له:
ــ ويحك يا عمرو بن قميئة أأنت صبي ؟
أجهش عمرو بالبكاء، وزعق كالصبي وأجاب:
ــ إن الطريق إلى روما طويل، والمشي أدمى قدماي
فقال امرؤ القيس:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وأيقن أنا لا حقان بقيصرا
فقلت له لا تبك عيناك إنما
نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وواصل بمفرده رحلته القاسية إلى روما..


6 ـ العبر من ذكر أخبار السفر..

ــ الرسالة الأولى..
ــ رفع الحجاب عن أخبار الرباب..
صديقي ... الشاحنة تطوي بنا الطريق.. تلتهم المسافات.. الأشجار النباتات والإسفلت.. وأنا ادخل طقوس تجربتي..أمارس رحلة الكشف عن ذاتي... احمل شارة الهجرة..أعلن الانتساب لمن لا ارض لهم..بين المطرقة و السندان أنا كما بين الإرهاب والديناميت العالم.. كما بين النكسة والرجعية العالم العربي...
صديقي ... الزمن يتلاشى...الزمن يذوي كشمعة بليل شتوي مرير..الزمن حوت كبير.. وأنا حوت صغير..والحياة بحر..والبحر كرم وفيض.... وأنا دوني البحر.. والبحر دونه روما..
أنا الآن اعبر مواطن التيه.. محاصر بدفق الصديد... أنا امرؤ القيس محاصر بآفاق كالحة . محاصر بكل قتامة الألوان.. لأني احمل بذاتي كل المتناقضات وكل الخذلان وكل الهزائم وكل الخيبات وكل الألم...

الرسالة الثانية..
العوض على البلد..
صديقي... وصلت إلى روما.. الضباب غمامة داكنة.. و روما مدببة بعمائم السحاب.. السماء تسكب ذرات النرجس المائية اللزجة... وأنا أطأ روما مرورا بالجمارك وصناديق الليمون والعنب والطماطم .. اخلف ورائي عالما يحبل بالسحر وبالمفاجآت وفرص المتعة والخيال ..
ــ لأني أعلن انتمائي للعالم المتخلف ..
ــ ولأني أصلح لكل الأعمال الشاقة والحقيرة ..
ــ ولأني بصراحة لا أجيد غير لغة المغازلة..
السماء يا صديقي فوق روما تتبول...تراود الأرض عن نفسها لتبرعم عناقيدا تنزف نبيذا يهاجر للقناني...والأرض من تحت سماء روما تشهق من شدة الرغبة.. تفتح ساقيها وذراعيها وتتأهب للمس واللمس... والشوارع المرشوشة بنور بنفسجي تناديني بوقاحة شارع الفداء شارع الحرية شارع السلام...وأنا المهاجر العربي أعيش في استسلام..اشتم رائحة الخيانة والدعارة والاستسلام ...وأعلن آني طيب الشرق بالغرب.. ورائحة الجنوب بالشمال...عبير الانهيار والخزي وبيع الأوطان بالمجان...السباكيتي.. كوكا كولا...بيبسي كولا.. مارلبورو.. ونستون..كنت ... سالم ..الماكدونالدز (1).. البيع بالمزاد العلني..الاغتيالات..الاستغلال..عرب الأمريكان وعرب إيران..العرب العاربة والعرب المستعربة..العرب العارية والعرب المتعرية ..عرب عدنان وعرب قحطان...عرب سات وعرب سالت...عرب المشرق وعرب المغرب ..عرب اليمين وعرب اليسار ...عرب النفط وعرب الزفت...عرب الهند وعرب السند.. عرب زايد وعرب عمرو...عرب الكفاح وعرب النكاح. عرب سام وعرب العم سام..عرب الجنة وعرب الجنان..عرب الهجرة وعرب الميلاد..عرب الشقاق وعرب الرفاق....عرب الدنيا وعرب الآخرة...عرب الفلس وعرب العدس.. عرب السلاح وعرب الأقداح... عرب السلم وعرب الحرب...عرب المسبحة وعرب المذبحة...عرب المقاومة وعرب المساومة...عرب النهار وعرب الليل...عرب الجفاف وعرب الخراف...عرب الصديد وعرب النبيذ..عرب الجزيرة وعرب الجزائر...عرب البحر وعرب البحرين..عرب البعث وعرب العبث..عرب الدنيا وعرب الدين..
صديقي.. أنا الآن أجوب شوارع روما... وروما تموء مثل القطة عندما تغزوها الشهوة. وكالبقرة عندما تنتابها حالة (تايكوك) في عز الربيع... يقول صديقي جيم.. وهو عربي على دراية بمقالب العرب والعجم أن القطة عندما تفزها الرغبة للجماع تموء بضراوة تستنفر كل حواسها كأنها تستغيث .. تموء بعدوانية كأنها تصهل.. تضطجع كامرأة على ظهرها أو ترفع ثقبها إلى أعلى كمدفع هاوون.. وتموء من فرط الشبق....تموء إعلانا عن اغتلامها وشبقيتها...حتي يأتي الاير.. الذكر..القط .. فتستكين.. وتجمد... و تخمد فورتها...نعم روما تموء كقطة .. أو تهيج كبقرة مهلبها واسع رطب كالغدير.. ولها فرج عظيم... روما تزامن الشبق...وأنا أموت على مقصلة الحرمان ...أصارع بوهن بالغ ظروفي ومحنتي ... وروما تزدهر.. تتراقص.. تتبرج.. تسمق.. وأنا في وحدتي أموت وأموت وأموت....
فلو أنها نفس تموت سوية
ولكنها نفس تساقط أنفسا


7ــ بلاغ من وزارة

عثر على جثة الشاب امرئ القيس بن حجر الكندي...ونحيطكم علما بان هذا الشخص هو أجرأ عربي في العصور الغابرة تناول قضية الجنس شعرا ، و سبق بذلك اجتهادات الفقيه سيدي محمد النفزاوي رحمه الله. و قائل املح بيت غزلي...
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي
بسهمك في أعشار قلب مقتل
هذا وقد وجدت بجيبه وصية يقول بوجوب دفنه إلى جانب الأميرة الدفينة بجبل عسيب ..وكتابة هذا البيت على شاهد قبره.
أجارتا إنا غريبان ها هنا
و كل غريب للغريب قريب
سيداتي سادتي ( إن الدول تتقدم بفضل الشعر والغناء لا بفضل الاقتصاد والصناعة ) لذا وعملا بهذه المقولة نود أن يبقى الشاعر امرؤ القيس بيننا حيا يرزق ... وعليه نرجو من كافة ممن تغزل فيهن أو نظم فيهن شعرا الحضور بكامل زينتهن لسحب اعترافاتهن....و يكون هذا البلاغ بمثابة استدعاء لكل السيدات وشكرا والسلام...


8 ــ بلاغ عن بلاغ

تلبية لدعوتنا باحياء تراث فقيد الشعر العربي الشاعر امريء القيس .. فقد حضر في الوقت والزمن إلى مقر وزارتنا العديد من الأوانس والسيدات بأحسن ما لديهن من أزياء و على وجودهن ما جد في الأسواق من أصباغ ..كذلك حضر لعين المكان المصورون ورجال الصحافة المسموعة والمرئية.. وقد قمنا بجمع ما قيل فيهن بحكم تشببهه فيهن أو صداقته لهن.. و سوف نصدر كل ذلك في ديوان شعري على أن تصدر بعده نسخات مزيدة و منقحة..


9 ـ تعليق على بلاغ

بناء على ما أقيم حول شخصية امريء القيس ابن الملك حجر الكندي من أساطير وروايات.. وبناء على التقارير المرفوعة إلينا من الجهات المختصة حول ماضيه المشبوه، وثفل دمه ، وسوء معشره، وكرهه من طرف النساء، وانه طلقته زوجته وعاشرت غيره لعدم فحولته وعدم انتعاض عضوه .. وان النساء كن يتعلقن به لماله وجاهه وحسبه فقط ..وبعد مناقشة مستفيضة اجمع الحاضرون على صحة تلك الادعاءات ومنافاة تلك التصرفات لكل حدود المنطقي والمعقول.. وعليه تم الاتفاق على ما يلي ذكره:
ــ التأكيد على عدم المساومة في أي شبر من الوطن..
ــ التأكيد على عدم المساومة بشان المواقف المتخاذلة والوصولية وتسخيرالقلم في خدمة احد غير الوطن والشعب..
ــ فضح مواقف امريء القيس التي هي في حد ذاتها مواقف ذاتية صرفة ، صرفها للتغزل بالنساء وشرب الخمرة واللهو..
أما الآن فإليكم النشرة الجوية المتوقعة لهذه السنة والسنين المقبلة يقرؤها عليكم عبد اللطيف اللعبي:
طقس جميل..
الإله الدولار..الإله الفرنك ..
وكل الآلهة الأخرى وأنصاف الآلهة..
من عصابة الأشرار الدولية للنقد..
والتجسس وقلب الثورات ..
تهرع إلى السماء الجديدة ..
المعبأة مواخير صحية .
طقس جميل..
اهتزازات الزلازل عادية..
اضرابات شرسة.. ثورات الفلاحين..
صدامات..
كل شيء هاديء..
طقس جميل..
ثلاثمائة يوم من الشمس ..(2)




----------------------------------

** هوامش
R.J. REYNOLDS TOBACCO CO.WINSTON –SALEM1) ــ
يحكى عن شركة ( رينولدز توباكو الأمريكية ) أنها تدر أرباحا خيالية على الاقتصاد الأمريكي وأنها تفرض على دول العالم شراء حصتها من منتجاتها قسرا، وان تدخين سيجارة واحدة هي مساهمة منا نحن أبناء هذا العالم المتخلف لتأدية ثمن رصاصة لابادتنا وتقتيل أبنائنا ..ودعم للبنتاغون الأمريكي من اجل الإجهاز على سلا متنا ..
وان حضارة الامبريالية العالمية الإعلانية تتفنن في تسميمنا من خلال إعلانات السجائر إلى علكة ( توندرمانت ) مرورا بالمشروبات الغازية التي يجتهد البعض في فك معميات رموز أشدها فتكا( بيبسي ـ كولا): (من اجل دعم الشعب الصهيوني الإسرائيلي ضد منظمة الدول العربية )..
ــ إن أمريكا تمنحنا التبغ والحلوى والعلكة والكوكاكولا والأسلحة..
ــ فأما التبغ فلدينا منه أنواع جيدة ورخيصة..
ــ وأما الحلوى فلدينا الثمور..
ــ وأما الكوكولا فلدينا الشاي والحليب واللبن..
ــ وأما الأسلحة فالصلح خير ما دمنا نحن العرب أصبحنا حقل تجارب لهذا السلاح..
2) ــ قصيدة طقس جميل ــ للشاعرعبد اللطيف اللعبي ــ ترجمة رشيد بنحدو ـ مجلة الأقلام العراقية ..

الثلاثاء، 14 أغسطس 2012


أكبادنا عشب هذا الربيع
أقصوصة
نقوس المهدي



* إلى كافة اطفال الحرية في الوطن العربي ..

يجري الولد في البيت لاهيا.. مرحا فرحا منشرحا يجري الولد ملوحا بشرائط ملونة صائحا الشعب يريد اسقاط النظام..
صاح الأب في الأم زاعقا اسكتي الصبي، فتوعدته بعصا المكنسة..
هرب الطفل الى الخارج صائحا الشعب يريد إسقاط النظام..
تبعه أطفال الحي صائحين الشعب يريد إسقاط النظام..
تبعهم أطفال الحارة صائحين الشعب يريد إسقاط النظام..
تبعهم أطفال الشارع صائحين الشعب يريد إسقاط النظام..
تبعهم أطفال المدينة صائحين الشعب يريد إسقاط النظام..
في المساء عاد الأطفال ولم يرجع الولد ..
لم يغمض للأم طرف، وهي تظلل حاجبيها بيديها وتسائل الطرقات، تنصت لخشخشة الهوام.. وترقب نجوما تغمز في الفراغ الرحب للمدى الكحلي..
عند الفجر وضعوا على عتبة الباب كيسا ينز دما..
ومضوا..
عاد مستشهدا..
وكأجمل الأمهات صاحت بصمت "يا وليـــدي"..
ونزفت آهتين..
وذرفت دمعتين ..
ولم ....

الأربعاء، 11 يوليو 2012

ياأيها الغالب في مدائحي 
- نقوس المهدي




" إنهم يريدون خلق جيل من الضباع " ذ. محمد جسوس


عو
عوو
عووو
عوووو
عووووو
بدأت في العواء، وخرجت بدوري الى ظاهر البلدة، في البدء كان الأمر عاديا جدا، عاديا كسرنمة، عاديا تماما، مثل ما يحدث في أحيان عديدة، كما في الأفلام مثلا أو في أحلام اليقظة، وتحولت الأحداث الى ما يشبه الأمر الواقع، ثم بدأ التحول يبسط سلطانه على المدى تدريجيا، كما يحدث عادة خلال الأوبئة والأزمات والكوارث، حينما تبتدئ الاحداث في الانتشار والظواهر بالتفسخ والتحلل، وإذا بالكل يتحولون الى ذئاب آدمية، ينزحون الى ضاحية المدينة، يعوون ما شاء لهم، كما أجساد سقيمة تفرمها قاطرة الزمن العنيد بدون أدنى رحمة، يفلق يباس الخشب وتواطؤ الصمت المريب المنبعث من الذاكرة المخترمة أرواحنا المختمرة بالنسيان وبالحرمان وبالإحباط، حتى أصبحنا نفكر في مدى مراهنة البياض على الوقوف في وجه الخسارات، ومدى مقاومة المرايا لفتنة الانكسارات والغواية، في البداية، اقترن الأمر بمد اشاعات رحمتهم فينا، بزرع الوشاية، بملء الجدران بصور السلالة، بإخفاء مواد ضرورية، باختفاء مواد أساسية، برسم جمجمة تتقاطع على وجهها عظمتان، بإقامة متاريس في الجهات الأربع مائة، بإعلاء سجون، بمحصارة الأهلة، بإخماد الشموس، وباختلاق أزمات أخلاقية مرة، وذات مظاهر سياسية واقتصادية مرات أخرى، وبظهور غرباء، مافتئوا أن يجتاح دخولهم هواءنا كأضغاث أحلام، فانتشروا فيه بجسارة، حتى اكتمل تواجدهم فينا، وأكملوا دبيبهم في تيهنا، يتفرقون في كل الأمكنة، يمدون آذانهم وعيونهم ذات الميمنة وذات الميسرة، طولا وعرضا وفي كل الاتجاهات والنواصي، يراقبون الحركات، ويتصيدون التحركات، وينقلونها في إضبارات صغيرة بحجم راحة اليد، يسجلون كل شئ في نفس الوقت تماما، الرشفات والهمسات تقريبا، الإلتفاتات والإبتسامات والتقطيبات والرعشات تقريبا تقريبا، يحصون فقرنا، يحصدون مرارتنا، يحرسون جوعنا، يحرصون على أحزاننا الموجعة، يسممون طحين الحنطة، يطعموننا مرق الأرق وشواء الغيب، ويستمنون على الجارات في أفرشة مخيلاتهم، يستسلمون لدفء الأخيلة وحرارة الدفء المنبعثة من ربلاتهن اللحيمة، يستعينون بسيمياء التورية والمجاز والتأويل على سنين الحرمان، يملكون القدرة على ارتداء ألف وجه في نفس الوقت تقريبا تقريبا، وبقادرين على سماع همس الندى بصبر لحوح، وملاحقة قهقهات الصبية، يخزرون لكل شئ، يجلدوننا بالنظرة، يجادلوننا ويقارعوننا بالحجة، ويدافعون عن خيباتهم كقديسين، ويقسمون بمواقعة أمهاتهم ودين ربهم، وبحق آصرة الحليب المجفف، ليوهموننا بصدق النية كي يوقعوننا في سوء مغبتها، يجيدون بلاغة الجلاد، وبراءة الضحية، يؤدون التحية، ويبتسمون في الوجه حتى بدون سبب، ابتسامة باهتة شاحبة، شحوب باهت يشف عن عروق زرقاء تحت جلود كالحة، ويمضون الى الحيث المجهول، حيث لا أحد يعلم، حيث اللاحيث، فيما نقضم وقتنا، نحصي خيباتنا التي تمضي بنا الى حيث لا ندري، نفرط سنوات العمر.. ونعيد ترتيب ارتباكات الأيام بثمالة النبيذ الحريف واغنية "الشاليني"، نرهنه لكنف الأحراش، لليل مقصوص الأخيلة يجرش رؤاه على رحى المستحيل، لترنيمة من رذاذ الرمل، لرفة من سخاء البحار، لفيض الغابات المتكئة على حياد الظلال ولامبالاة الطقس، ولجبال تسندها هشاشة الفراغ، ننسج أجنحة ومواويل لأحلام الفقراء، نعتق الأفراح لأعوام مقبلة، نريق بولنا على رؤوس السلاطين، قطرة قطرة كتبول البعير، ندلق عليهم ما نضمر لهم من كراهية وحقد دفين، نقتفي عزلة اللقالق الى حيث يقين العزلة، نلملم سمسم الضياء اليسٌاقط من جدائل الشمس، نرمم تعتعة القناني بكل ما نملك من نفايات عمر مهيض،  كنت أشك دوما في أنه ينتمي لفصيلتي، نراهن دوما على سباق خاسر، عن من منا يسابق ظله، ويصل الى حتفه الأول، عن من يؤدي رقصة السيرتاكي بحذاقة ألكسيس زوربا، عن من يعلق آماله على لوعة الصدفة، عن وطن ما يزال يضبط ساعاته على الوحدة ونص، وطن تنبجس منه السجون والشرطة والرزايا كالخطيئة، وطن لا ياتيه الخير من بين يديه ولا من خلفه ولا من أمامه، عن ما يكنزون لنا من أحقاد وموت  وجوع ومن هراوات ومن مرارة، عن البازلاء والفاصوليا والعدس والفوم والكرفس، عن الحروب الساخنة تمرغ قاعها في أسمالنا، عن أحادي أوكسيد الكربون والمازوت ينعش هواء الحدائق، والطرقات الملغومة بكمين الجسر وتيه السبيل، عن حشيشة القنب  وزهرة الخشخاش تربت على اجداث الدهاقين، عن من يبني فرحه على زقزقة اليمام وأهازيج الفراشات، ونجوم تتأرجح في الميزان، عن سر استئمان الحق على بريق الذهب الابريز، عن من يعلق عواطفه على رضا حبيبة تنزع حبيبات دمه من فتنة عواطفها وغبطتها، وتسقط سحنته من وهج اللهفة، عن الوصولي يهتبل المناسبة، عن من يعض على وجعه بالنواجذ وينضج نوم آولاده على ماء القدر، عن من يجلو الحزن العالق في القدور، عن من يستدرج الجمل إلى قدر، عن من يستدرج الأقدار الى الصراط...
الصراط الغير المستقيم،
صراط الذين
الصراط الذي
صراط الذي
السراط السيار
سراط الغريب
سراط الغربات
سراط حيثما وقاب وقوسين وأدنى، وعندما، وبعدما،  وكانما،  وربما، وكلما   ، وإما، وأما، وفيما، ولما، وما في الحسبان ..
حيث لا سراطا مستقيما يجس سنابك الصافنات..
لا نمارق ممدودة من حرير ودمقس للمماليك المذهولين الآبقين..
لا لوطن بدون حرية ونصف قبر..
لا للطغاة يستعذبون النهب فينا..
تقول أمي ما شأنك والسياسة يا ولدي..
يقول المناضل الحياة لا تؤخذ الا عنوة..
يقول الفقيه كل بدعة ضلالة..
يقول المواطن مواطنون نحن لا رعايا..
يقول الشارع إذا الشعب يوما أراد الحياة..
يقول السياسي الحزب محطة لبلوغ الوزارة ..
يقول الوالد كن رجلا ولا تتبع خطواتي ..
يقول القديس ليس بالخيز وحده يحيا الانسان ..
يقول الثعلب حينما تسمق الدالية كم أنت حامض أيها العنب..
تقول العرافة في حياتك يا ولدي..
يقول السياف الوقت كالسيف..
يقول الصائغ الوقت من ذهب..
يقول النقابي ياعمال العالم اتحدوا..
يقول المحامي لا أحد يعذر بجهله للقانون..
يقول الفدائي المجد للكلاشنكوف..
يقول الشاعر يا أمة ضحكت..
يقول الراوي من أين تبتدئ الحكاية..
يقول المرابي المال يولد المال..
يقول الإنتهازي من أين تؤكل الكتف..
ويقول صاحبي وهو يشرق  بالحسرة نحن من نصنع    أصنامنا، نؤلهها ونعبدها ونقع في حبها، وأتذكر بيجماليون، ومايكل أنجلو وهو يجدع أنف المسيح ملاطفا إياه بإزميله مخاطبا إياه: إنطق يا موسى
وأقول للشهداء شهاداتهم
ولدماء الشهيد عرسها الدموي
 ونتساءل    عن من يستدرج الأقدار الى الصراط.. عن من يستدرج الجمل إلى قدر، عن من يجلو الحزن العالق في القدور، عن من يعض على وجعه بالنواجذ وينضج نوم أولاده على ماء القدر، عن الوصولي يهتبل المناسبة، عن من يعلق عواطفه على رضا حبيبة تسقط سحنته من وهج اللهفة، تنتزع حبيبات دمه من فتنة غبطتها وعواطفها، وعن سر استئمان الحق على بريق الذهب الابريز، ونجوم تتأرجح في الميزان، عن من يبني فرحه على زقزقة اليمام وأهازيج الفراشات، عن حشيشة القنب وزهرة الخشخاش تربت على أجداث الدهاقين، والطرقات الملغومة بكمين الجسر وتيه السبيل، عن أحادي أوكسيد الكربون والمازوت ينعش هواء الحدائق،  عن البازلاء والفاصوليا والعدس والفوم والكرفس، عن الحروب الساخنة تمرغ قاعها في أسمالنا، ووطن لا يأتيه الخير من بين يديه ولا من خلفه ولا من أمامه، وطن تنبجس منه السجون والشرطة والرزايا كالخطيئة، وطن ما يزال يضبط ساعاته على الوحدة ونص، عن ما يكنزون لنا من مرارة ومن هراوات وجوع  وموت وأحقاد، عن من يؤدي رقصة السيرتاكي بحذاقة ألكسيس زوربا، عن من يعلق آماله على لوعة الصدفة، ويصل الى حتفه الأول، عن من منا يسابق ظله، ويراهن دوما على سباق خاسر، نرمم تعتعة القناني بكل ما نملك من نفايات عمر مهيض، اليسٌاقط من جدائل الشمس، نلملم سمسم الضياء اليسٌاقط من جدائل الشمس، نقتفي عزلة اللقالق الى حيث يقين العزلة، ندلق عليهم ما نضمر لهم من كراهية وحقد دفين، قطرة قطرة كتبول البعير، نريق بولنا على رؤوس السلاطين، نعتق الأفراح لأعوام مقبلة، ننسج أجنحة ومواويل لأحلام الفقراء، ولجبال تسندها هشاشة الفراغ، ولجبال تسندها هشاشة الفراغ، لفيض الغابات المتكئة على حياد الظلال ولامبالاة الطقس، لترنيمة من رذاذ الرمل، لرفة من سخاء البحار، لليل مقصوص الأخيلة يجرش رؤاه على رحى المستحيل، نرهنه لكنف الأحراش، ونعيد ترتيب ارتباكات الأيام بثمالة النبيذ الحريف وأغنية " الشاليني "، نفرط سنين العمر، نقضم وقتنا، ونحصي خيباتنا التي تمضي بنا الى حيث لا ندري، حيث لا أحد يعلم، حيث اللاحيث، فيما ظهور الغرباء يجتاح هواءنا، يتفرقون في كل الأمكنة، حتى انتشروا فيها بجسارة، واكتمل تواجدهم تلقائيا فينا، وأكملوا دبيبهم في تيهنا كأضغاث أحلام، يمدون آذانهم وعيونهم طولا وعرضا، وفي كل الإتجاهات، ذات الميسرة وذات الميمنة، يتصيدون التحركات، ويراقبون الحركات، يلعنون المعنى، يسجلون كل شئ في نفس الوقت تماما، وينقلونها في إضبارات صغيرة بحجم راحة اليد، الهمسات والرشفات تقريبا، الرعشات والتقطيبات والإبتسامات والإلتفاتات تقريبا، يسممون طحين الحنطة، يطعموننا شواء الغيب ومرق الأرق، يحرسون جوعنا، يحصون فقرنا، ويحرصون على أحزاننا الموجعة، يستمنون على الجارات في أفرشة أخيلتهم، يستسلمون لدفء الأخيلة وحرارة الدفء المنبعثة من ربلاتهن اللحيمة، يستعينون بسيمياء التأويل والمجاز والتورية على قهر سنين الحرمان، يملكون القدرة على ارتداء ألف وجه في نفس الوقت تقريبا تقريبا، وبقادرين على سماع همس الندى بصبر لحوح، وملاحقة قهقهات الصبية، يجلدونك بالنظرة، يخزرون لكل شئ، يجادلونك ويقارعونك بالحجة، ويدافعون عن خيباتهم كقديسين، ويقسمون بحق آصرة الحليب المجفف، وبمواقعة أمهاتهم ليوهمونك بصدق النية كي يوقعونك في سوء مغبتها، يجيدون بلاغة الجلاد، ويفتعلون براءة الضحية، يؤدون التحية ويبتسمون في الوجه حتى بدون سبب، ابتسامة باهتة شاحبة، شحوب باهت يشف عن عروق زرقاء تحت جلد كالح، ويمضون الى الحيث المجهول، حيث لا أحد يعلم، حيث اللاحيث، حيث يفلقنا يباس الخشب، وتواطؤ الصمت المريب المنبعث من الذاكرة المخترمة، المختمرة بالنسيان، واقترن الأمر باختلاق أزمات اقتصادية وسياسية، وذات مظاهر أخلاقية مرات اخرى، بإخماد الشموس، بمحصارة الأهلة، بإعلاء سجون، بإقامة متاريس في الجهات الأربع مائة، برسم جمجمة تتقاطع على وجهها عظمتان، بإخفاء مواد أساسية، باختفاء مواد ضرورية، بملء الجدران بصور السلالة، بمد اشاعات رحمتهم فينا في البداية، حتى أصبحنا نفكر في مدى مراهنة البياض على الوقوف في وجه الكوارث والخسارات، ومدى مقاومة المرايا لفتنة الغواية، وإذا بالكل ينزحون الى ضاحية المدينة، يتحولون الى ذئاب آدمية، يعوون ما شاء لهم، كما أجساد تفرمها قاطرة الزمن العنيد بدون ادنى رحمة، وابتدأت الظواهر بالتحلل والتفسخ، ثم بدأ التحول رويدا رويدا، كما يحدث عادة خلال الأوبئة والأزمات والكوارث، وبدأ التحول يبسط سلطانه على المدى تدريجيا، وتحولت الأحداث الى ما يشبه الأمر الواقع، كما في أحلام اليقظة أو في الأفلام مثلا، ومثل ما يحدث في احيان عادية، عاديا كسرنمة، عاديا تماما، عاديا جدا كان الأمر في البدء، خرجت بدوري الى ظاهر البلدة، وبدأت في العواء،
عوووووو
عووووو
عوووو
عووو
عوو


الأحد، 10 يونيو 2012

أعض على أناملي ثملا بالفجيعة
 - أقصوصة
   - نقوس المهدي

* إهداء  الى  الصديق الأمير الشهابي

ما من أحد صدق في مبتدأ الملام.
فلم يعد ثمة من شيء مستغربا في هذا البلد
من سنين وهم يقفون في طوابير الخديعة، مسندين هاماتهم على مشانق أحلام لا تقاوم ولا تلين. يوشوشون بكلمات قليلة وخافتة تكفي بالكاد لتدفئة أمانيهم. ويبسمون حين تغزوهم سهوا مسراتهم العتيقة.
وعلى مبعدة صيحة يقف جنود مزنرين بالزراية، متحفزين مشمرين جذلين لدرس عظامهم الهشة.
وأقف أنا بإزاء عتبة البحر مبللا بزرقته الفادحة.
أنصت لهدير الامواج وهي تتلولب تتشقلب تتقافز تغيب وترمح كأفراس جامحة مدفوعة بريح .
فيما العواصف تثير زوبعة على أخرى .
أمّا "اليقين فلا يقين"*
و ما من أحد يصدق في منتهى الكلام وسوء الختام...




* مطلع بيت ابي العلاء المعري الذي يقول فيه
أما اليقين فـلا يقين وإنما / أقصى اجتهادي أن أظن وأحدسا

الثلاثاء، 29 مايو 2012

الكوابيــــــــــس 
اقصوصة
نقوس المهدي


* اهداء الى صديقي العزيز نزار الهنداوي الموغل في البعد الطاعن في الغياب




أطل القمر من أعلى شرفة في السماء السابعة.. فبهره بريق المياه المنسابة كالفضة ، وأطربه نقيق الضفادع، وخيل إليه أن آلاف المدى مشرعة في وجهه، وان جيشا جرارا بكامل عدده وعدته يود اكتساح معاقله، فولى الأدبار واحكم إغلاق أبواب غرفته.. ساعتها توشحت السماء والجبال والسهول والبحار والحدائق والفجاج بملاءة سوداء، وأضحى الظلام القاتم يسيطر بوقاحة على كل الجبهات... فبكى الأطفال خوفا من الكوابيس التي كانت تحدق بهم، واستنجدوا بالبدر الذي طلع وقتها خجولا وجلا محمر العينين من فرط الحياء...



ــــــــــــــــــــــــــ 
* نشرت بالملحق  الثقافي  لجريدة العمل التونسية
- سلالات آيلة للسقوط
نقوس المهدي




لأنه يعيش رفاهية العهر.
ويخشى مخاتلات الشيب الرجيم.
نجمة نجمة يستدرج السلطان كل الخيبات الى طيلسانه نكاية في الوقت
يستبيح فائض الموسيقى في تغريد العصافير .
والهواء في صدور الصبايا الحالمات على هاجس ضفيرة بالفطائر والحلوى، وهن يعلكن لبان الصبر المعلب، ويغزلن الوهم على وشيعة الانتظار، ويصخين السمع للرصاصات النازفة من باطن الجرح
فيما الاذاعات تعدد الأضرار النفسية للعشق.
وعن مواطن انتحر يأسا بسبب حب فاشل.
كي لا يموت من بؤسه مرتين.
وكي لا يدير خده اليسار اذا صفع اليمين.
وعن فرحته
من لوعته
وعن شجنه
من وحدته
وعن شغفه
من نقمته
وعن جنونه
من جرأته
وعن هفوته
من لهفته
وعن غبطته
من ورطته
وعن برمه
من وهمه
وعن سيرته
من صورته
وعن بسمته
وعن فرحته
وعن جسارته
من قدرته
وعن سعادته
وعن سعلته
وعن ضحكته
وعن ورطته
وعن النار
والنخلة الشاهقة
ومن غضب
ومن ألم
ومن لهف عليه

***

هي ذي الاذاعات تتهجى أورادها
تداول الوشاية
وتلجم الألسنة بمسد الرهبنة
ولا من يهشها
والبحر وقوفا به صحبي على باسهم
يتجشأ من تخمته مخفورا باسراب بنات اوى وبنات وردان

***

يا وطني
يا معمدا بملح العين وزلال الريق
دع الشموس تغني على جراحنا الصامدة
تلك آيتك
اني اراك تسقي شعبك خمرا
فتسكر الطير من يديك
لا تحزن ياوطني
سازرع في ثراك قلبي
أحرسك من البغاة ومن السفهاء
واطرد الغبار عن برواز الشهداء
فانت احق منا بالمديح وبالرثاء .
فللفرح المعتق مذاق الهباء
وللاحزان غربتها
وللدماء تغريبتها
ولك انت وحدك كل هذا البهاء

الجمعة، 27 أبريل 2012

- حين كان الحب ديني وإيماني‏‏ 

 ســـرد 

نقوس المهدي



ثلاثة تجلو عن القلب الحزن
الماء والخضرة والوجه الحسن

أبو نواس 

 

 

جربت جميع الصيغ الممكنة كي أقنع روحي بما لا يجعل مجالا للشك فيما إذا كان لكلمات الحب والمحبة والعشق والغرام والهيام  صيغة للجمع ، أسوة بسائر الأسماء والمفردات فلم أفلح ، ربما لنبل الكلمة ، وصدق طويتها، وصفاء نيتها ، وعدم تورطها في الحربائية وامعانها في التشظي والاختلاف ، فيما أننا نجد هناك بالمقابل عدة أصناف وأنواع وألوان وصيغ للحب والعشق والهيام ، وهلم تطريزا بمختلف توائم المترادفات والمسميات وصنوفها ومكابداتها ومحائنها المستعصية على التخمين والتصنيف ، والتي انكوى بكيمياء لظاها الحريف العديد من العشاق عبر التاريخ الذي لا تخلو منعرجاته من صدمات وكدمات وانكسارات وتباريح ، ومن تحبيرات مثالية ، وحمق وجنون لا يعافى احتار في امره امهر النطاسيين والحكماء ، وحرقة لا تكاد تنطفئ الا بطلوع الروح من البدن ، قبل ان تبيد هذا الشغف شرائع العولمة بطوربيداتها المدمرة ، وتفتح الباب امام طبعة جديدة ومنقحة من الحب العابر للقارات، عشق بجلاجل كاللعنة ، لا هو عذري ولا إباحي ، ولا بشرقي ولا غربي . لهذا وربما لخطأ وسوء في تقدير الخواتم او لحسن الطالع ايضا لم نكن نعير هذه العاطفة النبيلة كثير اعتبار ، فكانت حياتنا محطات عابرة لحب عابر، وفواصل لا تكاد تنتهي الا لتورط القلب في عشق جديد ، وعشقت بدوري كثيرات ، وهفا فؤادي لكل من حرضني على مفاتنها طرف البصر ، سواء من كن يمعن في الصد ، ويشهرن وسطى اصابعهن في وجهي ، او من يفتر مبسمهن عن ضحكة ماكرة ، واعتقدت انهن احببني ، أو هكذا كنت أتوهم ، ليستغلن سذاجتي كي أكتب لهن مواضيع الانشاء ، سذاجة عاطفية اكتسبتها من قراءاتي لقصص المنفلوطي وأحمد سعيد العريان ومحمد عطية الابراشي ، ورواية البؤساء من ترجمة دار العلم للملايين ، وبخاصة رواية بول وفرجيني لبرنار دو سان بيير التي استنبتها طيب الذكر سليل البكائين مصطفى لطفي المنفلوطي وسقاها بالدموع ورعاها بالسهاد ، وكنت أستغرق بدوري في بكاء مرير خلال كل قراءة لها لندرة الكتب والقصص في محيط ذلك الوقت .

ولعل اول عشق هز كياني وعشقت بموجبه بعنف رواية باولو كويلهو المائزة : "Sur le bord de la rivière Piedra je me suis assise et j ai pleurée ". كان لصبية بدوية من بوادي الرحامنة، حيث كنت أتردد خلال كل عطلة صيف، وأنا ابن خمسة عشرة عثرة ، لأرعى البقر مع فتيان وفتيات القرية ، ونسبح في الغدران الموحلة ، او نغوص عميقا في الطمي المعجون بالبول ، عرايا الا من ستر الرحمان ، لم تكن البيكينيات والمنهدات قد خلقت بعد في ذلك الزمان ، بل ولم تكن تلك الفيوض الكريمة بقدودها المقدودة تحرك سواكن شهواتنا الدفينة ، ولا بقادرة على إحداث خدش فادح في شرف القبيلة المصان ، لعدم تبرعم رمان وأزهار ورياحين وزنابق في الجسد ، كانت صدورهن ملحوسة تماما ، لم تجد عليهن الطبيعة بنصيبهن من فاكهة النساء اللذيذة بعد ، هكذا كنا جديرين بطفولتنا ، كصوفيين يخمد ذلك النوع من الحب الكتيم الصبوات في النفس بدل تأجيج أوارها ، ويطفئ الرغبات في مهدها عوض إضرام اللهب والحرائق في هشيم الروح..


كانت ن. قصيدة غزلية ، حواء رحمانية فيها مزيج من ملاحة وبداعة أعاريب الصحراء ، ورقة ودلال وغنج العرب المتغربين ، خرافة بقد نخلة ورقبة ظبي ، وخدين من ورد ، وساقين من عاج ، وقدمي غزال تدوسان قلبي الرهيف ،  وتمشيان بي إلى حيث شطآن الإثم . هكذا لا أزال أتخيلها ، بتولا تتخايل في طيلسان الحسن والجمال ، هفهافة توشك أن تذوب من فرط  رقتها وخفرها ، يتضوع منها طيب القرنفل ، ويفوح شذا الخزامى من غذائرها ، ومن كفيها يشع سواد حناء ، عينان كحيلتان من دون كحل ، وفما مختوما ، وشفتان زهرتان ، وخدان شقائق نعمان بغمازتين ، وشعر كحلي يؤطر سحنة ملائكية يشوب بياضها تورد وخفر حينما تديم النظر اليها ، لم نبح لبعضنا ابدا بهوانا ، كنا فقط نرسم اقمارا وشموسا وطيورا وبراري ونحلم ، نداول بيننا الغازا وحكايات لا تدر الضحك والتعجب ، ونحكي عن ملائكة وجنان وفراديس ، ونكتفي من الغنيمة بالنظر ، كانت النظرات تسري في دواخلنا كسريان الماء في الارض اليباب ، وكفيلة بري عطش الاوصال المحرومة ، واستغوار مناطق قصية في اغوار النفس فتحركها بلطف ، لطف عفيف لا تزأر بمفعوله الغواية في داوخلنا ولا تتحرك قيد رغبة ..، هكذا كنا سادرين في جناتنا ، وهكذا أصبحت راعيا من أجلها ، إلا أن أقبل عصر ذلك اليوم شقيقها ليخبرها بان عمتها الغنية اتت من مدينة الرباط لتاخدها معها، أصرت على أن أصحبها الى مشارف الدوار ، وعند الوداع ابقينا ايدينا في بعضها لوقت يسير ، لا استطيع تكهن كم دام ، تبادلنا كلمات خجولة ، وآهات كتيمة ، واستلت يدها من بين يدي وانصرفت ، فيما قبعت على حاشية أحد المجاري واستغرقت في نوبة بكاء لم تلحقني الافاقة منه الا والليل قد عسعس ، والعتمة قد عامت على الخيام ، واستشبحت الطرقات والحقول.

 

بعد ذلك بسنين أحببت بعنف فتاة جميلة في خفر اسمها "م".. أحببتها لحد الجنون ، أحببتها ، حبا ملك علي جوارحي وكياني .. ودمر وجداني ، ووقفت لي عائلتي حاجزا دونه ، كنت أتتبع خطواتها وهي بطريقها إلى المدرسة .. فلا أنا بمستطاعي تكليمها ، ولا هي  قادرة على أن تلتفت .. شيء ما يمنعها بالرغم من أنها تحس ..

و الآن و على مسافة أربعين محطة من ذلك الحب البعيد الأليم ، لا يزال الحنين إلى ذلك الحب الافلاطوني لي بالمرصاد، يترصدني ويستأسد علي كلما حاصرتني الذكريات، أو كلما تذكرتها .. ويزرع في حياتي قنابل موقوتة، ويبعث في دواخلي رعشة عنيفة لا هي بالدغدغة ولا هي بالهزة.. فأتذكر انه كان لي  قلب أنا أيضا، وسكن العشق مفاصلي ولبث يتلبس كياني كالمارد لردح من الوقت غير يسير، بالرغم من أني لم أحب بعد ذلك أبدا.. وحينما نويت الزواج خطبت صباح يوم الأحد ، وتزوجت مساء نهار السبت الموالي..

الأربعاء، 25 أبريل 2012

 - جئت لأزف إليكم بشرى موتي 
 قصة قصيرة
نقوس المهدي

" حتى على الموت لا أخلو من الحسد " - الوأوأء الدمشقي*

الكثيرون يستعجلون مماتي..
حتى وأنا مسجى على الحصير، الحصير البارد للموت الكئيب، لم يكفوا عن الشماتة بي، وانتظار الشهقة الاخيرة...
أولادي ليرثوا الصئبان والبق والقمل..
معارفي ليتقوا عفة لساني...
الحكومة كي أكف عن وقاحة مهاجمتها والمطالبة بنصيبي من ثروات البلد...
الرب ايضا لأسباب لاأستطيع تخمينها..
وملك الموت الذي لم يكن أقل رأفة منهم، ولا أرق قلبا، شويخ من الغابرين، أتذكره جيدا حين جاء لزيارتي غير ما مرة بأزياء تنكرية، كان يمارس لعبته الوضيعة، نتعارك وننهي معاركنا بالشتائم والحجارة والوعيد، ونفترق من دون دماء، ونتواعد على لقاء جديد، يمنيني بجنان مغبشة وخمور رديئة وحور معمشة، ويساومني ويفاصل وينازل، ومرات أتى على هيأة امرأة أنيقة في كامل عدتها صبية هيفاء فاتنة متبرجة مشرعة كنوزها، راودتني بكلماتها الموغلة في العهر والهشاشة والرقة واللين، وأمعنت في افتتاني بغنجها الماكر ورقتها الفاجرة وغمزاتها الساحرة وحركاتها الداعرة، وعجيزتها الموزونة على هيأة قصيدة غزل، فاصد عنها وأكسر كبرها، وأقول يا حمقاء غري غيرنا*.. هذه المرة جاء الى عقر داري محمر العينين، ونفسه تنطوي على شر دفين، لم يخيرني بين فرضيتي موت الرحمة واختيار ميتتي بنفسي، أزال الغطاء من فوقي بقوة، كنت عاريا الا من نصفي جورب ومئزر مثقوب من الخلف واحدى بيضاتي تطل، بدا يضغط على متانتي بعنف، ويعصر مصاريني حتى أضرط وأتغوط، ويجر لساني بقوة سفاح محترف، ويطبق بقبضتي يديه الخشنتين على رقبتي بشكيمة وصبر مجرم، ويطلق كلابه المسعورة تلغ في أسن دمي، موت عدو لا يمت للحياة ببصلة، يحاول في عجلة من أمره طرد الروح من جوفي، وإنهاء الأمر بسرعة، عين علي، وعينه الأخرى على طابور من المنتظرين، يصر على شفتيه بأسنانه المدببة، وسحنته المكسوة بدثار يأس مكين، لم أكن أعتقد أنه بهذه القساوة والغلظة والفظاظة والحقد والكراهية والخسة والجبروت، هو الذي لم يفرح يوما لأفراح كائن، ولم يستأنس ابدا لميلاد صريخ، ولا لانت أحشاؤه يوما لأنــة عجوز دردبيس، - ولم يحزن على فقد أخ ولا حزن أم على ولد- ، كانت حركاته من البذاءة والوحشية والقسوة بقدر تجعلَني أرتجِف حتى تصطك عظامي، أئن تحت ضرباته ورفساته وركلاته ولا أستسلم، وأظَن أَني هالك لامحالة. ولا أتوسل، فأغافله وأفوز بنصيبي من حموضة أنفاس نبيذ فاسد، وأنقب في مؤخرة جمجمتي، ألملم أشطان أحلام معتقة كي أمنح كل كلمة ما يسكرها من النقمة، أنا الذي عشت حباة تسر العدا، وكرهت طول عمري المخاتلات، والدسائس، والحكومات المصابة برهاب الجماهير، ومن يربطون قضية الخبز بالأزمات العالمية، والحرية بإفساد الأخلاق، ومن يمدحون الملوك بجزمات مثقوبة وبطون فارغة، والعناقيد بدون غضب والعوازل الطبية، والقوانين لأنها وضعت للمستضعفين فقط،، والعسس وهم يقضون فحمة ليلهم الطويل في حراسة نوم النساء في غياب بعولتهن العنينين، ونقاشات مدمني التدخين عن أمراض الرئة، وأزهار عباد الشمس تطاول النباتات كي تحني هامتها بمذلة لشموس سادرة، والأعراب منذ قالوا للبيت رب يحميه، وحسان بن ثابت الذي لم يركب خيلا ولم يمتشق سيفا، ولم يشارك في غزوة، ولم يصف كاعبا ذات خلخال، وأحببت روزا لوكسمبورغ لأنها تردد اقترب من الشر يا عمري وغني لو، والعنب وقدرة دماره الشامل على إبادة الكروب وجلاء القلوب وإغاثة المكروب .

وعلى مبعدة من ملاك الفناء البائس الخائب الحاد الحضور للخسارات، ومني انا مفعوله البطيء العنيد والصلد، كان يتناهي الي صليل سكاكين ووشيش طبيخ وصوت الات وترية وقهقهات لنساء، وشهيق حيوانات وطيور تتسافد، بينما الخالق يتفرج من سدته العالية على مخلوقاته البائسة ويضحك من المقالب التي ورط فيها الكائنات، وياخذ من قوت الفقراء ليربي أرصدة اللصوص والكسالى، ويؤلب الشعراء للاجهاز على نقاء اللغة،

وفيما كنت أفكر في من ستؤنسني في وحدة القبر، تتمرغ في دمي، وتلهب بضرام شبقها المجنون برودة احشائي، وفي قولة إيفان كارامازوف على لسان دوستويفسكي: "إذا كان اللّه موجوداً، فكيف يَقْدر أن يتحمل عذاب الأطفال؟"*. كانت تتراءى لي بالكاد شياه تطارد ذئابا، وضحية تحاصر جلادها وهو يصيح دع عنك لومي

يا ملك الموت، يا قاهر اللذات، ياقرين الخسارات الكبرى وساكن الخرائب والمقابر والفلوات، والممعن في العزلات الأعمق وحشة، خذ كل ثرواتي، خذ روحي يوم السبت أو الجمعة أو الخميس أو الاربعاء أو الثلاثاء أو الاثنين أو الاحد، لكن لا تخصيني، فأنت خير العارفين أنه سلاحنا الوحيد في فتوحاتنا العظيمة نحن العربان الصناديد..

---------------
الاقتباسات المضمنة:
1 - * للوأوأء الدمشقي

2 - * بيت احمد بخيت
تتبرج الدنيا ونكسر كبرها
ونقول ياحمقاء غري غيرنا
3 - * القولة من رواية الاخوة كرامازوف

الثلاثاء، 24 أبريل 2012

- مواقف ومخاطبات لا تلزم النفري
 سرد
نقوس المهدي


1 - موقف الحضرة والجذبة
اوقفني على سكة الحضرة، وقال يضل الانسان في حيرة من أمر حقيقة وجوده، وحينما يدرك نصف حقيقته او بعضها يفنى، ولا تستساغ الحياة الا ببطلان اسبابها، والشقي من تمادى واضاع وقته في معرفة كنهها، ففي اعقابها تشقى النفوس، ومن دونها تستريح
وقال: اهرب من الحياة ولا تهرب اليها، فانها تصون من لا يصونها، وتتمسح في من يعرض عنها، والقبر غايتها ومستقر ناسوتها، والعمر محدود، والرزق مضمون، والاحتراس واجب من ما لا ينال، ولا يطال، ولا ينقال .
ثم قال: لا تفوض امرك لكيمياء الصدفة، فما في الجب الا الماء، وما في الجبّة الا الهواء، وما في الجيب الا الهباء، وما في الجراب الا الخواء .
وقال شد امرك على درب الحق الى ساعة بلوغ الحقيقة، وكشف الحجاب عن الحساب، وليكن كلامك مسلحا بالمعاني على مقدار التاويل ومنتهى الغايات، وتحقيق الاستحقاق، وليكن عزمك نبراس عزيمتك يرفعك الى سدة القبول والاصطفاء، وسر مستترا بستائر الاسرار، مستورا بسرابيل الستر، فالاسراء بدون سير لا سر له، والسريرة بدون سر لا سيرة لها، والسائر بدون استتار لا سير له، والمسير بدون سمير لا مسرّة له .


2 - موقف الوجد والحال
اوقفني على باب المواجيد، وقال: هذا مقام الوجد، وبلاغة البلاغة بلوغ المكان والزمان وانت محمول على صهوة التجريد، والوجد مفرد لا يحتمل الجمع، وجمع لا له مفرد في باحة الكلام، ومبتغاه ملامسة الغاية، واصله غرائز الغواية، والعيون وسائطه التي تغني عن الايضاح بالافصاح، فآستهد بوميض عرفانه الوهاج، واستلذ بلذاذات الانكشاف، واستدل بهاتف الوجدان، واستتر بفيء جود دوح البسط ، واستظل بفيض مزنه ما استطعت، ولا تبيتن الا وأنت في حل من كل اضمار واشتهاء ولو في المنام .


3- موقف التسوّق
اوقفني ترجمان الأسواق على بعد من رفوف السوبرماركت، وانا بدون متاع، وقال انت وما تشتهي، والكائن بقدر ما يملك، فكانت البضائع تتمطى وتغمز لي بكيمياء البصيرة، وارنو اليها بيقين التبصر، وانال منها بطول التصبر ما يسد سغب حرماني، وما يكفيني مؤونة الافتتان بالبصر .


4- موقف الوادي والماء
أوقفني على دلتا الوادي، وقال لي: يوجد في الوادي ما يوجد في النهر، ثم قال عم نهرك، واكتم سرك، وامسح الماء بالماء، واياك والبلل، واخش من الانهار الهادئ، ولا تعبا بالهادر، فان من اعاقته الكياسة والحنكة وقصر الذراع، استعاظ عنهم باللغو والقيل وطول اللسان .
ثم أوقفني على بسيط الماء، وقال: هذا موقف افتيناه بافتاء مليح، وأفضاله ليست تحد، ومنه وبه وفيه وله وعليه ما لا يعد لا يحصى.
والماء مياه، ماء الوجه، وماء الحياة، وماء الصلب والغدد، وماء العيون
فماء الوجه يكسب المهابة .
وماء الحياة يجلب الكآبة .
وماء العين يوقظ الصبابة .
وماء الصلب والترائب يحدث الجنابة .


5- موقف النطق والصمت
اوقفني في دوامة السديم، وقال لي: النطق والصمت ضفتان، كالصوت والصدى، والكلمة والمعنى، والضوء والعتمة، والقوس والرمح، والنهر والطمي، والشئ وظله، والليل والنهار، والاشراق والإظلام، فاحتم بدياميس النهارات، وتجل بانقشاع الحنادس.
وقال: الحياة كوائن ازلية، والفيوضات احراجها، والحادثات فرسانها، والموسيقا لازوردها الابدي .
فاكفر بكل نعمة متبوعة بلغط .
ولا تخن ذاكرة مجبولة من صلصالك .
ولا تخذل روحك بسراب خلب .
ولا تغير احلامك بمجد غير جدير بوجودك .


6- موقف القلم و" الكيبورد "
اوقفني في رحبة الاقلام، وقال لي: القلم وشيعة العبارات، ونول العرفان، ومنسج الأفكار، وزوادة المعرفة، وزاد العارف، ومن بات ومعدته فارغة واستيقظ وهو شبعان مؤتدم بسر ولائم اسراره فتلك كفاية الكفاية .
وقال: اصل القلم الجنة، وصلبه رحيق اليقين، وحبره ريح رياحينها، وهو اسبق للوجود، وسره ثاو في حرف مكنون، ومن منتهى نقطته يكون طواف الكون كله، وبه خط الخالق الكون وشرع ابوابه ورسم تفاصيله، ثم كانت الهيولى وكان الماء وكان العرش وكان ما كان .
ثم قال: هو زاد الافكار، ولسانك اللاينطق، والمؤتمن على سور المعارف، وحافظ سيرة اهل الاعتراف من افة العدم، وامانات المجالس من الافشاء، وسره مكتوم على سن لسانه في اللوح المحفوظ، والاحتماء بوارف ظلاله يحمي من وحشة العمه، فاجعله حاجب ارادتك، وترجمان جنانك، ونبع الهامك، وضامن منطقك، ومغنيك عن نطقك واحتياجك، حيثما ضاق افق العبارة، واللبيب اللبيب من صانه وسار في اثره على هدي سطور تخط ، واقلام تقط ، وتجليات علوم تلتقط ، وصحائف تبسط .


7- موقف الأبجدية
اوقفني من دوحة البيان تحت ظل ظليل، وقال: الحروف شجرة الوجود، والكلمات سمت التواجد، وهي ترابها، والمعاني سر الموجودات، وهي فسيلتها، والعبارات مشكاة الانوجاد، وهي فروعها، والكشوفات براهين الجود وهي ثمارها .
وقال: قسم الحرف سره بين الكلمات، فالشجرة معلمة، وثمارها علوم معلومة بحسب عناصر الوجود وعدد المنازل، تنجلي لذوي العرفان، وتنطوي على نبراس النور، وتنجي من عماء العدم، وتبرئ النفس من شقاوة الظلال .
ثم أوقفني على اشارة الألف، وقال: الألف ألق الأبجدية، وأرخبيل الأنس، واصل الأمشاج
وأوقفني على باب الباء، وقال: هنا بدر البداعة، وبوصلة البشرى، وبوتقة البشارة.
واوقفني على جرم الجيم، وقال: في الجيم جزء الجواب، وجمر الجوى، وجزالة التجريد، وجرأة الجهر .
وأوقفني تحت دوحة الدال، وقال: الدال درع الدواجي، وديباج الدلالة، ودفق الدلال .
واوقفني على هالة الهاء، وقال: الهاء هبة الهناء، وهدوء الهموم، وهلال الهداية .
واوقفني على وتر الواو، وقال: هو الواو، وفاض الوقاية، ووميض الوفاء، ووكر الوداعة، ووحم الولادة .
واوقفني على حرف الزاي، وقال: هو زمردة الزهد، وزينة الزهو، وزاد الزمان، وزيق الزنار .
واوقفني على حافة الحاء، وقال: احتمي بحرز الحياء يحفظك من حيرة الحدوس .
واوقفني على طين الطاء، وقال: الطاء طاسين الطمانينة، وطيلسان الطهارة، وطهر الطوية
واوقفني على يم الياء، وقال هي ينبوع اليواقيت، ويناعة الياسمين، ويم اليقين
واوقفني على كفل الكاف، وقال فيه اكتمال الكمال، وكبرياء الكمنجات، وكناية الكينونة
واوقفني على لواء اللام، وقال هو لجين اللفظ، ولباقة الليونة، ولهيب اللوعة
واوقفني على مقام الميم، وقال هي ماعون المحو، ومربد البهجة، ومنتهى الملاحة
وأوقفني على نول النون، وقال هو نبراس النفوس، ونشوة النهاية، ونقاء النوايا
واوقفني على سن السين، وقال بسناء سلافته تستكين السجايا، وتسترخي السرائر، وتستدفئ السلالات .
واوقفني على علو العين، وقال هي عسلوج العناية، وعبق العفاف، وعلامة العشق
واوقفني على فص الفاء، وقال هو فيض الفيوضات، وفيضان الفضيلة، وفخر الفطنة
واوقفني على صرح الصاد وقال هو صهوة الصفاء، وصهد الاصطلام، وصهيل الصبوات
واوقفني علي قوس القاف وقال هو نقس القرطاس، وقرار القناعة، وقناع القهر
واوقفني علي ربوة الراء، وقال بروائها روعة الرشاقة، ورغبة الرغاب
واوقفني على شفا الشين، وقال هو شفاء الشدائد، وشدو الشطحات، وشهقة الشهوة
واوقفني على تلة التاء، وقال بتمامها يكون تمام التواشيح، وتيجان التيه.
واوقفني على خد الخاء، وقال هو خمر الخلود، وخمار الخواطر .
واوقفني على ذروة الذال، وقال هنا ذهاب الذهول، وذوذ الذمام .
واوقفني على ضوء الضاد، وقال هو ضياء الضراعة، وضمان الضرع، وضوع الضمائر
واوقني في ظل الظاد، وقال هو ظلام الظهور، وظمأ الظفر، وظل الظهيرة.
واوقفني على غرة الغين، وقال هو غشيان الغواية، وغدر الغياب، وغموض الاغتراب .


8- موقف الرؤيا
يا أيها النفري
بالأمس حلمت بك
قد تكون انت
وربما طيفك
لم أتبين ملامحك
وحصيلتك من سفر " النطق والصمت "
ولا رؤية ما في جبتك من احلام مؤجلة
كنت تقعي لترتوي على ريق القناعة ماء
وتهب مسرعا كالملتاع نحو عراء العراء
جناحاك الريح
مراياك سراب المفازات
زادك سلافة المشائين
وعلى منكبيك العاريين عبء العزلات
أنت المجبول من أمشاج المنافي
الآتي على صهوة الغيم
لتنتبذ مكانا قصيا في الفيافي
ترمم شروخ الذات
تداري أوجاعك بأوهام القطيعة
وتصغي لكركرة العتمات
وهمس القبرات للطبيعة
وتهلوس بكلام مبين
عن هواجس طاعنة في الضيم
وصداقات ممعنة في الخديعة
......
........


9- موقف الشيخ محمد ابن عبدالجبار
اوقفته في موقف المواقف، وقلت له: ارجع يا ايها النفري يا ابن عبد الجبار، وصن سيرتك الاولى، واحفظ وصاياك .
بيني وبينك علم اذا ناله جاهل تكبر، واذا ناله عالم تجبر، وصحائف لا تتسع لمخاطباتك، وركح لا يسع شطحك، وصنوج كاتمة للصوت، ومطهرات غير قادرة على تنظيف خرقتك، وهواء محشو بنكهة الزرنيخ والاورانيوم المخصب، والديناميت والنفطلين .
عد يا ايها النفري، فقد غاضت بحور الفراهيدي، ومات الشعراء، ومات الشرفاء، ومات الانبياء، ومات الكبرياء، ومات المؤرخون، ومات الضمير، وبهدلتنا الفواجع، وأضحى المدى مشاعا لغبار المدائح والوشاية، وتلصص المرتزقة والمخبرين ..
عد يا ايها النفري، حتى نعتق العامرية من غدر العلوج بآيات بينات من الشعر الرجيم، ونطهر بغداد من هدير الاباتشي، ورجس الشيطان ببلاغة الخطباء المخصيين .


10- موقف الحيرة
فأوقفني في الحيرة وقال .
ودين الرب لم أجد أي جواب .
ماذا فعلنا كي نستاهل هذا العذاب .
أمن الأحياء حقا نحن ام من الميتين .
ماذا اقترفنا كي نشرق بغصة غربتين .
ماذنبنا يا ألله كي نعذب في حياتنا مرتين .

مواقف ومخاطبات لا تلزم النفري


مواقف ومخاطبات لا تلزم النفري
نقوس المهدي


1 - موقف الحضرة والجذبة
اوقفني على سكة الحضرة، وقال يضل الانسان في حيرة من أمر حقيقة وجوده، وحينما يدرك نصف حقيقته او بعضها يفنى، ولا تستساغ الحياة الا ببطلان اسبابها، والشقي من تمادى واضاع وقته في معرفة كنهها، ففي اعقابها تشقى النفوس، ومن دونها تستريح
وقال: اهرب من الحياة ولا تهرب اليها، فانها تصون من لا يصونها، وتتمسح في من يعرض عنها، والقبر غايتها ومستقر ناسوتها، والعمر محدود، والرزق مضمون، والاحتراس واجب من ما لا ينال، ولا يطال، ولا ينقال .
ثم قال: لا تفوض امرك لكيمياء الصدفة، فما في الجب الا الماء، وما في الجبّة الا الهواء، وما في الجيب الا الهباء، وما في الجراب الا الخواء .
وقال شد امرك على درب الحق الى ساعة بلوغ الحقيقة، وكشف الحجاب عن الحساب، وليكن كلامك مسلحا بالمعاني على مقدار التاويل ومنتهى الغايات، وتحقيق الاستحقاق، وليكن عزمك نبراس عزيمتك يرفعك الى سدة القبول والاصطفاء، وسر مستترا بستائر الاسرار، مستورا بسرابيل الستر، فالاسراء بدون سير لا سر له، والسريرة بدون سر لا سيرة لها، والسائر بدون استتار لا سير له، والمسير بدون سمير لا مسرّة له .


2 - موقف الوجد والحال
اوقفني على باب المواجيد، وقال: هذا مقام الوجد، وبلاغة البلاغة بلوغ المكان والزمان وانت محمول على صهوة التجريد، والوجد مفرد لا يحتمل الجمع، وجمع لا له مفرد في باحة الكلام، ومبتغاه ملامسة الغاية، واصله غرائز الغواية، والعيون وسائطه التي تغني عن الايضاح بالافصاح، فآستهد بوميض عرفانه الوهاج، واستلذ بلذاذات الانكشاف، واستدل بهاتف الوجدان، واستتر بفيء جود دوح البسط ، واستظل بفيض مزنه ما استطعت، ولا تبيتن الا وأنت في حل من كل اضمار واشتهاء ولو في المنام .


3- موقف التسوّق
اوقفني ترجمان الأسواق على بعد من رفوف السوبرماركت، وانا بدون متاع، وقال انت وما تشتهي، والكائن بقدر ما يملك، فكانت البضائع تتمطى وتغمز لي بكيمياء البصيرة، وارنو اليها بيقين التبصر، وانال منها بطول التصبر ما يسد سغب حرماني، وما يكفيني مؤونة الافتتان بالبصر .


4- موقف الوادي والماء
أوقفني على دلتا الوادي، وقال لي: يوجد في الوادي ما يوجد في النهر، ثم قال عم نهرك، واكتم سرك، وامسح الماء بالماء، واياك والبلل، واخش من الانهار الهادئ، ولا تعبا بالهادر، فان من اعاقته الكياسة والحنكة وقصر الذراع، استعاظ عنهم باللغو والقيل وطول اللسان .
ثم أوقفني على بسيط الماء، وقال: هذا موقف افتيناه بافتاء مليح، وأفضاله ليست تحد، ومنه وبه وفيه وله وعليه ما لا يعد لا يحصى.
والماء مياه، ماء الوجه، وماء الحياة، وماء الصلب والغدد، وماء العيون
فماء الوجه يكسب المهابة .
وماء الحياة يجلب الكآبة .
وماء العين يوقظ الصبابة .
وماء الصلب والترائب يحدث الجنابة .


5- موقف النطق والصمت
اوقفني في دوامة السديم، وقال لي: النطق والصمت ضفتان، كالصوت والصدى، والكلمة والمعنى، والضوء والعتمة، والقوس والرمح، والنهر والطمي، والشئ وظله، والليل والنهار، والاشراق والإظلام، فاحتم بدياميس النهارات، وتجل بانقشاع الحنادس.
وقال: الحياة كوائن ازلية، والفيوضات احراجها، والحادثات فرسانها، والموسيقا لازوردها الابدي .
فاكفر بكل نعمة متبوعة بلغط .
ولا تخن ذاكرة مجبولة من صلصالك .
ولا تخذل روحك بسراب خلب .
ولا تغير احلامك بمجد غير جدير بوجودك .


6- موقف القلم و" الكيبورد "
اوقفني في رحبة الاقلام، وقال لي: القلم وشيعة العبارات، ونول العرفان، ومنسج الأفكار، وزوادة المعرفة، وزاد العارف، ومن بات ومعدته فارغة واستيقظ وهو شبعان مؤتدم بسر ولائم اسراره فتلك كفاية الكفاية .
وقال: اصل القلم الجنة، وصلبه رحيق اليقين، وحبره ريح رياحينها، وهو اسبق للوجود، وسره ثاو في حرف مكنون، ومن منتهى نقطته يكون طواف الكون كله، وبه خط الخالق الكون وشرع ابوابه ورسم تفاصيله، ثم كانت الهيولى وكان الماء وكان العرش وكان ما كان .
ثم قال: هو زاد الافكار، ولسانك اللاينطق، والمؤتمن على سور المعارف، وحافظ سيرة اهل الاعتراف من افة العدم، وامانات المجالس من الافشاء، وسره مكتوم على سن لسانه في اللوح المحفوظ، والاحتماء بوارف ظلاله يحمي من وحشة العمه، فاجعله حاجب ارادتك، وترجمان جنانك، ونبع الهامك، وضامن منطقك، ومغنيك عن نطقك واحتياجك، حيثما ضاق افق العبارة، واللبيب اللبيب من صانه وسار في اثره على هدي سطور تخط ، واقلام تقط ، وتجليات علوم تلتقط ، وصحائف تبسط .


7- موقف الأبجدية
اوقفني من دوحة البيان تحت ظل ظليل، وقال: الحروف شجرة الوجود، والكلمات سمت التواجد، وهي ترابها، والمعاني سر الموجودات، وهي فسيلتها، والعبارات مشكاة الانوجاد، وهي فروعها، والكشوفات براهين الجود وهي ثمارها .
وقال: قسم الحرف سره بين الكلمات، فالشجرة معلمة، وثمارها علوم معلومة بحسب عناصر الوجود وعدد المنازل، تنجلي لذوي العرفان، وتنطوي على نبراس النور، وتنجي من عماء العدم، وتبرئ النفس من شقاوة الظلال .
ثم أوقفني على اشارة الألف، وقال: الألف ألق الأبجدية، وأرخبيل الأنس، واصل الأمشاج
وأوقفني على باب الباء، وقال: هنا بدر البداعة، وبوصلة البشرى، وبوتقة البشارة.
واوقفني على جرم الجيم، وقال: في الجيم جزء الجواب، وجمر الجوى، وجزالة التجريد، وجرأة الجهر .
وأوقفني تحت دوحة الدال، وقال: الدال درع الدواجي، وديباج الدلالة، ودفق الدلال .
واوقفني على هالة الهاء، وقال: الهاء هبة الهناء، وهدوء الهموم، وهلال الهداية .
واوقفني على وتر الواو، وقال: هو الواو، وفاض الوقاية، ووميض الوفاء، ووكر الوداعة، ووحم الولادة .
واوقفني على حرف الزاي، وقال: هو زمردة الزهد، وزينة الزهو، وزاد الزمان، وزيق الزنار .
واوقفني على حافة الحاء، وقال: احتمي بحرز الحياء يحفظك من حيرة الحدوس .
واوقفني على طين الطاء، وقال: الطاء طاسين الطمانينة، وطيلسان الطهارة، وطهر الطوية
واوقفني على يم الياء، وقال هي ينبوع اليواقيت، ويناعة الياسمين، ويم اليقين
واوقفني على كفل الكاف، وقال فيه اكتمال الكمال، وكبرياء الكمنجات، وكناية الكينونة
واوقفني على لواء اللام، وقال هو لجين اللفظ، ولباقة الليونة، ولهيب اللوعة
واوقفني على مقام الميم، وقال هي ماعون المحو، ومربد البهجة، ومنتهى الملاحة
وأوقفني على نول النون، وقال هو نبراس النفوس، ونشوة النهاية، ونقاء النوايا
واوقفني على سن السين، وقال بسناء سلافته تستكين السجايا، وتسترخي السرائر، وتستدفئ السلالات .
واوقفني على علو العين، وقال هي عسلوج العناية، وعبق العفاف، وعلامة العشق
واوقفني على فص الفاء، وقال هو فيض الفيوضات، وفيضان الفضيلة، وفخر الفطنة
واوقفني على صرح الصاد وقال هو صهوة الصفاء، وصهد الاصطلام، وصهيل الصبوات
واوقفني علي قوس القاف وقال هو نقس القرطاس، وقرار القناعة، وقناع القهر
واوقفني علي ربوة الراء، وقال بروائها روعة الرشاقة، ورغبة الرغاب
واوقفني على شفا الشين، وقال هو شفاء الشدائد، وشدو الشطحات، وشهقة الشهوة
واوقفني على تلة التاء، وقال بتمامها يكون تمام التواشيح، وتيجان التيه.
واوقفني على خد الخاء، وقال هو خمر الخلود، وخمار الخواطر .
واوقفني على ذروة الذال، وقال هنا ذهاب الذهول، وذوذ الذمام .
واوقفني على ضوء الضاد، وقال هو ضياء الضراعة، وضمان الضرع، وضوع الضمائر
واوقني في ظل الظاد، وقال هو ظلام الظهور، وظمأ الظفر، وظل الظهيرة.
واوقفني على غرة الغين، وقال هو غشيان الغواية، وغدر الغياب، وغموض الاغتراب .


8- موقف الرؤيا
يا أيها النفري
بالأمس حلمت بك
قد تكون انت
وربما طيفك
لم أتبين ملامحك
وحصيلتك من سفر " النطق والصمت "
ولا رؤية ما في جبتك من احلام مؤجلة
كنت تقعي لترتوي على ريق القناعة ماء
وتهب مسرعا كالملتاع نحو عراء العراء
جناحاك الريح
مراياك سراب المفازات
زادك سلافة المشائين
وعلى منكبيك العاريين عبء العزلات
أنت المجبول من أمشاج المنافي
الآتي على صهوة الغيم
لتنتبذ مكانا قصيا في الفيافي
ترمم شروخ الذات
تداري أوجاعك بأوهام القطيعة
وتصغي لكركرة العتمات
وهمس القبرات للطبيعة
وتهلوس بكلام مبين
عن هواجس طاعنة في الضيم
وصداقات ممعنة في الخديعة
......
........


9- موقف الشيخ محمد ابن عبدالجبار
اوقفته في موقف المواقف، وقلت له: ارجع يا ايها النفري يا ابن عبد الجبار، وصن سيرتك الاولى، واحفظ وصاياك .
بيني وبينك علم اذا ناله جاهل تكبر، واذا ناله عالم تجبر، وصحائف لا تتسع لمخاطباتك، وركح لا يسع شطحك، وصنوج كاتمة للصوت، ومطهرات غير قادرة على تنظيف خرقتك، وهواء محشو بنكهة الزرنيخ والاورانيوم المخصب، والديناميت والنفطلين .
عد يا ايها النفري، فقد غاضت بحور الفراهيدي، ومات الشعراء، ومات الشرفاء، ومات الانبياء، ومات الكبرياء، ومات المؤرخون، ومات الضمير، وبهدلتنا الفواجع، وأضحى المدى مشاعا لغبار المدائح والوشاية، وتلصص المرتزقة والمخبرين ..
عد يا ايها النفري، حتى نعتق العامرية من غدر العلوج بآيات بينات من الشعر الرجيم، ونطهر بغداد من هدير الاباتشي، ورجس الشيطان ببلاغة الخطباء المخصيين .


10- موقف الحيرة
فأوقفني في الحيرة وقال .
ودين الرب لم أجد أي جواب .
ماذا فعلنا كي نستاهل هذا العذاب .
أمن الأحياء حقا نحن ام من الميتين .
ماذا اقترفنا كي نشرق بغصة غربتين .
ماذنبنا يا ألله كي نعذب في حياتنا مرتين .