- جئت لأزف إليكم بشرى موتي
قصة قصيرة
نقوس المهدي
" حتى على الموت لا أخلو من الحسد " - الوأوأء الدمشقي*
الكثيرون يستعجلون مماتي..
حتى وأنا مسجى على الحصير، الحصير البارد للموت الكئيب، لم يكفوا عن الشماتة بي، وانتظار الشهقة الاخيرة...
أولادي ليرثوا الصئبان والبق والقمل..
معارفي ليتقوا عفة لساني...
الحكومة كي أكف عن وقاحة مهاجمتها والمطالبة بنصيبي من ثروات البلد...
الرب ايضا لأسباب لاأستطيع تخمينها..
وملك الموت الذي لم يكن أقل رأفة منهم، ولا أرق قلبا، شويخ من الغابرين، أتذكره جيدا حين جاء لزيارتي غير ما مرة بأزياء تنكرية، كان يمارس لعبته الوضيعة، نتعارك وننهي معاركنا بالشتائم والحجارة والوعيد، ونفترق من دون دماء، ونتواعد على لقاء جديد، يمنيني بجنان مغبشة وخمور رديئة وحور معمشة، ويساومني ويفاصل وينازل، ومرات أتى على هيأة امرأة أنيقة في كامل عدتها صبية هيفاء فاتنة متبرجة مشرعة كنوزها، راودتني بكلماتها الموغلة في العهر والهشاشة والرقة واللين، وأمعنت في افتتاني بغنجها الماكر ورقتها الفاجرة وغمزاتها الساحرة وحركاتها الداعرة، وعجيزتها الموزونة على هيأة قصيدة غزل، فاصد عنها وأكسر كبرها، وأقول يا حمقاء غري غيرنا*.. هذه المرة جاء الى عقر داري محمر العينين، ونفسه تنطوي على شر دفين، لم يخيرني بين فرضيتي موت الرحمة واختيار ميتتي بنفسي، أزال الغطاء من فوقي بقوة، كنت عاريا الا من نصفي جورب ومئزر مثقوب من الخلف واحدى بيضاتي تطل، بدا يضغط على متانتي بعنف، ويعصر مصاريني حتى أضرط وأتغوط، ويجر لساني بقوة سفاح محترف، ويطبق بقبضتي يديه الخشنتين على رقبتي بشكيمة وصبر مجرم، ويطلق كلابه المسعورة تلغ في أسن دمي، موت عدو لا يمت للحياة ببصلة، يحاول في عجلة من أمره طرد الروح من جوفي، وإنهاء الأمر بسرعة، عين علي، وعينه الأخرى على طابور من المنتظرين، يصر على شفتيه بأسنانه المدببة، وسحنته المكسوة بدثار يأس مكين، لم أكن أعتقد أنه بهذه القساوة والغلظة والفظاظة والحقد والكراهية والخسة والجبروت، هو الذي لم يفرح يوما لأفراح كائن، ولم يستأنس ابدا لميلاد صريخ، ولا لانت أحشاؤه يوما لأنــة عجوز دردبيس، - ولم يحزن على فقد أخ ولا حزن أم على ولد- ، كانت حركاته من البذاءة والوحشية والقسوة بقدر تجعلَني أرتجِف حتى تصطك عظامي، أئن تحت ضرباته ورفساته وركلاته ولا أستسلم، وأظَن أَني هالك لامحالة. ولا أتوسل، فأغافله وأفوز بنصيبي من حموضة أنفاس نبيذ فاسد، وأنقب في مؤخرة جمجمتي، ألملم أشطان أحلام معتقة كي أمنح كل كلمة ما يسكرها من النقمة، أنا الذي عشت حباة تسر العدا، وكرهت طول عمري المخاتلات، والدسائس، والحكومات المصابة برهاب الجماهير، ومن يربطون قضية الخبز بالأزمات العالمية، والحرية بإفساد الأخلاق، ومن يمدحون الملوك بجزمات مثقوبة وبطون فارغة، والعناقيد بدون غضب والعوازل الطبية، والقوانين لأنها وضعت للمستضعفين فقط،، والعسس وهم يقضون فحمة ليلهم الطويل في حراسة نوم النساء في غياب بعولتهن العنينين، ونقاشات مدمني التدخين عن أمراض الرئة، وأزهار عباد الشمس تطاول النباتات كي تحني هامتها بمذلة لشموس سادرة، والأعراب منذ قالوا للبيت رب يحميه، وحسان بن ثابت الذي لم يركب خيلا ولم يمتشق سيفا، ولم يشارك في غزوة، ولم يصف كاعبا ذات خلخال، وأحببت روزا لوكسمبورغ لأنها تردد اقترب من الشر يا عمري وغني لو، والعنب وقدرة دماره الشامل على إبادة الكروب وجلاء القلوب وإغاثة المكروب .
وعلى مبعدة من ملاك الفناء البائس الخائب الحاد الحضور للخسارات، ومني انا مفعوله البطيء العنيد والصلد، كان يتناهي الي صليل سكاكين ووشيش طبيخ وصوت الات وترية وقهقهات لنساء، وشهيق حيوانات وطيور تتسافد، بينما الخالق يتفرج من سدته العالية على مخلوقاته البائسة ويضحك من المقالب التي ورط فيها الكائنات، وياخذ من قوت الفقراء ليربي أرصدة اللصوص والكسالى، ويؤلب الشعراء للاجهاز على نقاء اللغة،
وفيما كنت أفكر في من ستؤنسني في وحدة القبر، تتمرغ في دمي، وتلهب بضرام شبقها المجنون برودة احشائي، وفي قولة إيفان كارامازوف على لسان دوستويفسكي: "إذا كان اللّه موجوداً، فكيف يَقْدر أن يتحمل عذاب الأطفال؟"*. كانت تتراءى لي بالكاد شياه تطارد ذئابا، وضحية تحاصر جلادها وهو يصيح دع عنك لومي
يا ملك الموت، يا قاهر اللذات، ياقرين الخسارات الكبرى وساكن الخرائب والمقابر والفلوات، والممعن في العزلات الأعمق وحشة، خذ كل ثرواتي، خذ روحي يوم السبت أو الجمعة أو الخميس أو الاربعاء أو الثلاثاء أو الاثنين أو الاحد، لكن لا تخصيني، فأنت خير العارفين أنه سلاحنا الوحيد في فتوحاتنا العظيمة نحن العربان الصناديد..
---------------
الاقتباسات المضمنة:
1 - * للوأوأء الدمشقي
2 - * بيت احمد بخيت
تتبرج الدنيا ونكسر كبرها
ونقول ياحمقاء غري غيرنا
3 - * القولة من رواية الاخوة كرامازوف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق